أدب الموت

السبت، 15 سبتمبر 2007

البسمة الباكية





فيديو وداع علاء .. أعده عمر الجارحى

-----------------------------------

عمرو كمال يكتب فى رثاء علاء جبة .. البسمة الباكية:
كعادتي هذه الأيام ينتهي يومي بعد صلاة الفجر بقليل ، حيث أحب المذاكرة في وقت الليل و الناس نيام ، و لكن هذه المرة ، على غير سابق استعداد ، تغير الأمر


فذهبت هذا اليوم لصلاة الفجر في المسجد الذي اعتدت أن أراه فيه في الفجر ، و تأخرت قليلاً فدخلت المسجد بعد الركعة الأولى ، لأجد أحد إخواننا يؤم المصلين و لم أعهد منه أن يصلي الفجر في هذا المسجد البعيد عن بيته
و بعد انتهاء الصلاة ، توجه هو إلى الميكروفون و أنا لازلت في الركعة الثانية
و إذا به ينعي وفاة الأستاذ علاء عصام جُبة ، و شعرت بانقباضة في قلبي ، الإسم يشبه اسمه ، و لكن الأمر ليس بالسهل عليّ تصديقه ، انتهيت من الصلاة و خرجت من المسجد لأسأله ، " انت تقصد مين ؟ تقصد علاء ؟؟؟ " قال " أيوه علاء " ، " علاء صاحبنا ؟؟؟ " قال " أيوه هو " ، علاء خريج كلية التجارة ؟؟!! قال هو علاء


لم أصدق نفسي ، و جلست على الأرض أبكي و أبكي ، حتى استوعبت الأمر ، ثم نهضت و قلت له " حصل ازاي الموضوع ده و فين و ازاي ؟؟؟ " و راح يسرد لي الأمر بإيجاز ، فتأكدت منه من موعد الجنازة و من المسجد الذي سوف تخرج منه ، و انصرفت إلى بيتي و أنا انتحب و انتحب كما التائه لا يدري أين تأخذه قدماه ، تركتها تسير فهي تعرف الطريق وحدها ، و كل ما يدور بذهني تساؤلات


هل انتهى الأمر هكذا ؟؟ ، ألن أراه ثانية في صلاة الفجر ؟؟ ، ألن أراه كل جمعة بعد الصلاة ؟؟ ، ألن أراه في مناسبات الإخوة التي كان حريصاً كل الحرص على حضورها ؟؟ هل غابت هذه البسمة إلى الأبد ؟؟ هل كان ملك الموت يتتبعه و هو بيننا ؟؟ لم يغب عني كثيراً ، فقد كنا منذ يومين في حفل خطبة أحد إخواننا ، فهل كان ملك الموت يتتبعه في روحته و غدوته ؟؟


و على قدر ما أضحكتنا يا علاء باسكتشاتك اللطيفة و " قفشاتك " الجميلة ، على قدر ما أبكيتنا برحيلك عنّا


أدخل البيت و أنا انتحب و سمعت والدتي صوت بكائي و أنا بالباب الخارجي ، فخرجت لي مسرعة مندهشة ، تسألني " مالك يا بني ؟!! " و أنا لا أجيب ، و دخلت الشقة و خرجت لي أختي من غرفتها تسألني هي الأخرى ، و استيقظ والدي على إثر نحيبي ، و قد ارتميت بوجهي على " الكنبه " و يسألونني جميعاً و لست مجيباً أحد ، لست أقول غير ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) أرددها كثيراً خشية أن ينفلت لساني بما يغضب ربي ، و بعد ما صاروا يسألونني عما بي بإلحاح شديد ، قلت بالكاد " واحد صاحبي مات " و أي واحد هو ؟! ، ليس كأي أحد ، إنه علاء


علاء ، الأخلاق متجسدة في إنسان
علاء ، الذوق و الأدب و الحترام
علاء ، البسمة و الضحكة و الفرح
علاء ، الدعوة المخلصة الصادقة
علاء ، الشباب في عنفوانه و قوته


علاء ، آخر إنسان أتوقع أن نفقده هكذا من بيننا و هو في عز شبابه ، فهو كان - و لا مبالغة - أكثرنا شباباً و حيوية


نهضت من على " الكنبه " و ذهبت إلى الكمبيوتر أستخرج صوره و أبكي ، حتى نهضت و ذهبت إلى غرفتي و استلقيت على سريري أكتم أنفاسي و بكائي ، قررت أن أنام حتى أستطيع أن أصحو للجنازة ، ولكن من أين النوم يأتي ؟!! ، فلم أنم ، رحت إلى الكمبيوتر ، و قررت كتابة التدوينة السابقة ، بعد أن قصصت صور علاء حتى أضعها بالتدوينة
ثم بعدها رحت أخلد للنوم بعد أن أرهقني و أعياني البكاء و بعد أن جفت الدموع من عيني


ليس أمامي وقت طويل ، أنام فقط ساعة و ثلث الساعة حتى أستطيع أن أذهب للمسجد مبكراً ، و بعد أن نهضت من نومي على صوت المنبه ، أحسست بنوع من التوهان ، لا أدري ما هذا اليوم ، هل هو يوم حقيقي ؟

نهضت و أنا أحس بنوع من الذهول ، ارتديت ملابسي و توجهت للمسجد الذي سوف تخرج منه الجنازة ، و لكن و أنا في الشارع أحسست بأن قدماي لا تستطيعان حملي ، فاستوقفت " توك توك " و توجه بي إلى المسجد ، و أنا لا أكاد أصدق بعد ، و أسأل نفسي في حيرة ، إلى أين أنا ذاهب ؟!! ، هل حقيقةً إلى جنازة علاء ؟!! ، هل أنا ذاهب لأودع جثمانه إلى الأبد ؟!! ، هل صعدت روحه إلى بارئها ؟!! ، لست مدركاً للأمر و أبعاده ، لست متهيئاً لهذا الحدث و هو ثاني حدث يمر عليّ كهذا في خلال 6 أشهر فقط بعد أن قضى صديقي الضابط الشهيد محمد عبد الكريم المتناوي شهيداً للواجب و هو يدافع عن فتاة كانت مختطفة بهدف اغتصابها


دخلت المسجد فإذا به ممتلئ بأصحابي و أصدقائي و أناس أعرفهم و آخرون لا أعرفهم ، و لا أكاد أتخيل أن هذا النعش الذي هو أمامي يرقد بداخله أخي و حبيبي علاء ، تقدمت الصفوف حتى أجلس بجواره و لو للحظات قبل أن نودعه للأبد ، و الخطيب والد أحد إخواننا يخطب فينا مواسياً و معدداً مناقب علاء و داعياً له ، حتى حان وقت الصلاة ، و لا أدرك الأمر بجد ، الأحداث تتسارع نحو نقطة واحدة ، الأحداث تتجه كلها نحو تلك النقطة


أفيق من شرودي على التكبير ، و عندما حان الدعاء له ، ارتج المسجد بالبكاء و النحيب ، و تمنيت ألا ينطق الإمام بالتكبيرة الرابعة ، تمنيت أن نظل بقية عمرنا ندعو له ، فمهما دعونا لن نوفيه ، و لكن الأحداث لازالت تتسارع و تنتهي الصلاة ، شيئ عجيب يحدث لي ، أنظر إلى شخص ما فأراه علاء ، أقول في نفسي " علاء أهو ، لسه عايش " ، أقترب منه ، فلا أجده هو ، أقول ربما يشبهه ، أقترب أكثر ، فلا أجد أي شبه ، ليتكرر معي هذا الأمر أكثر من مرة ، فأدركت أنها هلوسة ، أخرج خارج المسجد مسرعاً لأقف على الباب و أستعد لخروج النعش و حمله ، و هم بالداخل يقفون بجواره ينتحبون و يدعون له ، و أخيراً يخرج النعش من المسجد متجهاً إلى تلك النقطة التي تتسارع في اتجاهها


أحمل النعش و لا أكاد أصدق أنني أحمله ، أصبر نفسي بقراءة القرآن و الدعاء له ، و أترك النعش لغيري حتى ينال الثواب ، لأسير بجواره ، و أشغل لساني أحياناً بالدعاء له ، و يلجم البكاء لساني أحياني أخرى


و سريعاً سريعاً نصل إلى تلك النقطة ، حيث القبر مفتوح في انتظار هذا الجسد الطاهر و يوضع النعش ، و يحملون جسد علاء ليدخلوه في هذا المكان الضيق المكتوم ، من هذه الفتحة الصغيرة التي لا تصل في مساحتها إلى مساحة شباك في منزل ، و يعلو صوت البكاء ، و تتابع النظرات الأخيرة على جسد هذا الملاك ، و تمر اللحظات متسارعة ، ثم ، ثم يغلقون عليه القبر و هو فيه وحيد ، لا إنسان منا معه ، تركه الأهل و الأصحاب و الأحباب و الجيران ، أغلقوا عليه الباب بالأقفال ، فلا أنيس منا و لا جليس


وقفنا يخطب فينا أحدهم و يدعو له ، و انصرف الناس و بقينا بجواره لا نريد أن نتركه و نمضي ، ختمنا على قبره القرآن ، فقد كان يوصي إخواننا بأن نختم له القرآن يوم عرسه ، و لكننا نختمه اليوم ، يوم رحيله


و بالكاد استنهضَنا مربيينا لنمضي و نتركه و نحن لا نريد أن نتركه ، و لكن مضينا امتثالاً لسنة نبينا لما ذكرنا بها أحد مربيينا ، و أنا ألقى النظرات الأخيرة على قبره في صمت ، و أتخيل كيف يبيت الليلة وحيد ، في ظلام علينا شديد ، إلى يوم الخلود ، و لكن الله سوف يضيء له قبره ، و سوف يؤنس وحشته إن شاء الله ، إلى أن يدخله برحمته في جنات و نهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر


كان هذا اليوم يوماً صامتاً
لم أحدث فيه أحداً إلا قليلاً
رحلت يا علاء يا صاحب البسمات و الضحكات
رحلت و طبعت في قلوبنا

بسمة باكية


اللهم اجعل القرآن له جليساً و أنيساً
اللهم اجعل عمله الصالح له جليساً و أنيساً
اللهم وسع له في قبره مد بصره
اللهم أظله في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك
اللهم اسقه يوم القيامة شربة لا يظمأ بعدها أبداً
اللهم أدخل الجنة بلا مناقشة حساب و لا سابقة عذاب
اللهم أسكنه الفردوس الأعلى مع الشهداء و الصدقين و الأنبياء و المرسلين
و حسن أولئك رفيقاً
posted by ومضات .. أحمد الجعلى at 4:17 ص

5 Comments:

أول مرة ادخل هذه المدون
وأول مرة أبكى وأنا أكتب تعليق
ولكن لا نقول إلا مايرضى ربنا
أنا
لله وان اليه راجعون

لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل سيئ عنده بمقدار

اللهم اجعل علاء مع الصديقين والنبين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

27 سبتمبر 2007 في 9:40 م  

السلام عليكم يا أحمد

انت واحشني كتير

استلم البوست ده

http://ro2yaaa.blogspot.com/2007/09/blog-post_28.html

ربنا يجازيك خير على المدونة دي

18 أكتوبر 2007 في 8:07 ص  

السلام عليكم
انا لله و انا اليه راجعون
لا اراكم الله مكروها فى عزيز عليكم اخى احمد
نسال الله العظيم ان يغفر لنا و له و ان يدخله فى فسيح جناته

تحياتى اليك
ابو مفراح

3 نوفمبر 2007 في 4:47 ص  

ربنا يتولاه برحمته

ويدخله فسيح جناته .. ويجعل اهله من الصابرين المتحسبين

آآمين يا رب

تشجع اخى فانما هى رسائل من الله ان الموت قريب الينا

ولا يفرق بين كبير وصغير ....وشاب وشيخ

29 ديسمبر 2007 في 11:34 ص  

السلام عليكم
لكم احب هذه المدونه كلما يقسو قلبى ادخلها لاخرج والدموع تملىء عينى
جزاك الله خيرا
ورحم الله اخونا علاء واسكنه فسيح جناته

27 يناير 2008 في 9:12 م  

إرسال تعليق

<< Home